الجديدة جددت جديدها
بقلم : مصطفى منيغ
رقص
الفرس المحظوظ القادم من بلاد الضباب بلا ضجيج أو ضوضاء، ببرودة دم كأهل بلده
القريبة من أرضها السماء ، أشار برأسه في تحية نبيلة موجهة لأرقى حضور وانصرف
يختال في دلال حضارة موطنه المانحة له الحقوق بسخاء ، لذا نراه ممثل بيئته مزهوا
حافظا لما يقوم به من حركات اقتنع بها فأقنع الجاحظة عيونهم نحوه وهم عقلاء، أن
اقتناعه نابع عن رضا مستوى معيشته وحنان الساهرين على خدمته بل احترامهم لرغباته
وما أكثرها تندرج في الخطوط الخضراء وليس الحمراء. … اجل الناس هناك يخدمون
الحيوان خدمة تتصاعد تكاليفها حسب نجومية تلك الخيول أو البغال أو الكلاب أو حتى
الشهيرة الحرباء ، وبحسب أهمية المهرجانات المعدة خصيصا لاستقطابها لتتعارف هذه
المخلوقات بعضها على بعض في تودد وعشق وإخاء. … البعض أعتقد أن مثل المناسبات
كفيله بإعطائهم فرصة يطلعون من خلالها على مستويات تربية تلك الحيوانات والحقيقة أن
هذه الأخيرة من عرفت وستحكم عند عودتها معززة مكرمة لإسطبلاتها المجهزة (حتى لا
تصاب بأمراض البرد) بمكيفات للهواء. فرسنا رقص هو الآخر دون أن يسعفه الحظ إذ
فعلها منزعجا من صخب إيقاعات “بندير”الشيخات” وقفزات “إنسان” فوق ربع برميل كلما
هوى على سطحه القصديري صعد رنين يفكك ارتباط خلايا مخ الآدميين بعضها عن بعض ، فإن
أثار فرسنا المسكين اهتمام الحاضرين فعائد ذلك لتحريك رأسه صعودا ونزولا ليشخص يد
الحداد وهي ممسكة بمطرقة فخمة تنزل بها على قطعة من حديد لتشكيلها كما يريد بصداع
لا يطيقه من جاء للرقص والتفوق على من يغتسل من العرق كل ساعة ونصف بماء نظيف لا
تتعدى حرارته حرارة الهواء الطلق إن كانت العملية تتم في فضائه أو العشرين درجة في
حمامات مشيدة خصيصا لنفس الغاية الغراء . الفرس الوافد من هناك بعد اجتياز مضيق
جبل طارق في الباخرة الفاخرة وانتقاله بعناية قصوى لحافلة لها من الكماليات ما
يجعله يحس أنه في جناح فندق من خمسة نجوم ، بين الحين والآخر يطل من فتحات مخصصة
له للتخلص مما قد تكون التصقت به من هموم ، والتمتع برؤية حقول الجزيرة الأيبيرية
بجزأيها البرتغالي مرورا على مدينة “فارو” صعودا للعاصمة “لشبونة” في اتجاه الشمال
لغاية مدينة “لوهابر” الفرنسية المطلة على ممر بحري منتهي بتراب جزيرة المملكة
المتحدة ليعانق السهل والأهل والاستكانة للراحة دون شعور بملل في أحلى وأرق وألذ
استرخاء. فرسنا أيضا عاد من حيث أتي ، الحديث هنا عن ذاك المؤدي دوره داخل القاعة (الصالحة
برحابتها لمآرب أخرى) عن مراجعة طفيفة لما ظهر به السنة الفارطة ، مبديا (في نفس
الوقت) قلقه جراء ألَمٍ اعترى فكَّيه بفرط ما تلقاه ، لامتناعه عن “ضحكة” كانت
مقررة أن يُظهِرها في الفقرة المخصصة له ، ما يميزه عن الفرس الأمريكي بالخصوص ،
امتنع فرسنا ففوَّت على الجميع ما قد يُتَّخذ معجزة تبهر عقول الخيول الغريبة
والأمريكية جميعها ، فبينما عبرت الأخيرة في استعراضاتها الرائعة القائمة على طاعة
مروضيها الطاعة العمياء ، مِؤدية حركات آية في الإتقان ، اظهر فرسنا العصيان ، إذ
المرور للشعور بالضحك عمه في هذا البلد النسيان ، تساوى في التجهم الإنسان
بالحيوان ، في حاضر هذا الزمان . أما فرسنا الثاني ، المشارك مع أقرانه في فقرة “التبوريدة”
، فقد كان شعلة من حماس ، مألوفة عنده حالة الفوضى العارمة ، المبتدئة بالهروب على
جناح السرعة ، والتوقف فجأة على وقع انفجار البارود من فوهات بنادق خشبية ملفوفة
بشرائط حديدية لغاية تماسك هذا السلاح التقليدي العريق الصنع ولا تتشتت أجزاؤه
تشتت الفرقعة المهولة في العاري من الفضاء ، التي لا تؤدي دور حصار الخيول الراكضة
بأقصى قِواها فقط ، وإنما لتفقد الكوكبة من سقط منها ومن لا زال مربوطا على سرجه
المهيأ بكيفية غير عادية . … على كل هو مهرجان حاولت به الجديدة (المدينة والإقليم)
تجديد جديدها ، والخروج مما تحياه من رتابة الروتين، بما رصدته من ميزانية موقرة ،
استطاع كل مساهم فيه الحصول على دجاجة محمرة ، باستثناء بعض الفرسان الذين عادوا “لدواويرهم”
بقرار عدم الحضور في الموسم القادم ، مهما تحايل عليهم “الشيخ” أو “المقدم” ،
حقيقة جربوا الجوع مرات عديدة ، لكن الذي اعتراهم في المهرجان أقسموا على التأريخ
به .
للمقال
صلة
3 اكتوبر 2013
2
3
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق